
نصّ الآية
قال -تعالى- في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[١]
معاني مفردات الآية
فيما يلي بيانُ معاني المفردات الواردة في هذه الآية، وهي:[٢][٣]
- كُتب: أي فُرضَ.
- الصيام: الإمساك عن كلّ ما تشتهيه النفس.
- الذين من قبلكم: الأنبياء السابقون وأممهم.
المعنى الإجمالي للآية
في هذه الآية الكريمة يخاطبُ الله -عزّ وجلّ- عباده المؤمنين من أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويأمرُهم بالصيام ويفرضهُ عليهم كما فرَضه على من كان قبلهم من الأمم السابقة، فالصيامُ عبادةٌ قديمةٌ معروفةٌ في سائر الأزمان، أمر الله -تعالى- بها أنبياءه ورسلهُ السابقين، قال -تعالى-: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)،[٤]والصيامُ في الاصطلاح الشرعي: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وكلِّ المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بنيةٍ خالصةٍ لله -تعالى-.[٥]
وقد ذكرَ بعض المفسرين أنّ الله -تعالى- ذكر في الآيةِ فرضَ الصيام على الأمم السابقة لحكمٍة جليلةٍ، وهي ترغيب المؤمنين بالصيام وتشجيعهم عليه؛ فإنّهم إذا عرفوا بأنّه فُرض على جميع الأمم والأنبياء من آدم إلى محمد -عليهم السلام- رضيت نفوسهم بالأمر وخضعت بسرعةٍ وبلا تردُّدٍ، فإنّ الإنسان يستسهلُ الأمور الشاقة إذا كان فعلها مطلوباً من جميع الناس وليس منه وحده فقط؛ لأنّه يشعرُ حينها بالعدل والمساواة بينه وبينهم، فتطمئنُّ نفسهُ ويرتاحُ قلبه.[٦]
وقد فرض الله -تعالى- الصيام على المسلمين شهراً واحداً في السنة كلّها فقط، وهو شهر رمضان المبارك، قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)،[٧] وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم- قبل فرضِ صومِ رمضان يصومون ثلاثة أيامٍ من كلّ شهرٍ، ويعدُّ صومُ رمضانَ ركناً من أركان الإسلام الخمسة الواجبة على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ، فقد جاء في الحديث: "بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ".[٨][٥]
وقد ذكر الله -تعالى- في الآية الكريمة العلَّة والحكمةَ من فرضِ الصوم في قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)؛[١] فالغايةُ من الصيام هي التقوى وتزكية النفس وتطهيرها وتهذيبها، فالصيامُ يهذب نفس الإنسان من خلال تدريبها على الصبر على الجوع والعطش، ويطهرها من خلال ترك الشهوات والإحساس بحال الفقراء والضعفاء، ومعرفة عظمةِ النعم التي أسبغها الله -تعالى- عليه، ويزكيها من خلال استشعار مراقبة الله -تعالى- له، والابتعاد عن الذنوب والمعاصي والأخلاق الذميمة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ).[٩]
المراجع
- ^ أ ب سورة البقرة، آية:183
- ↑ أبو البركات النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، صفحة 158. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، التفسير الوسيط، صفحة 282. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:48
- ^ أ ب ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 497. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 130. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:185
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:8، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6057، حديث صحيح.